كان الحكم على الشركات حتى وقت قريب يعتمد في الغالب على أدائها المالي، بل كان تحقيق المزيد من الأرباح يعني النجاح. لكن يتم أيضاً تقييم الشركات اليوم بناءً على التزامها بالمبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وبات ملاحظاً أن غالبية كبار المستثمرين المؤسسيين حول العالم، بما في ذلك صناديق الثروة السيادية، تعمل بشكل متزايد على تخصيص رأس المال للشركات التي تبدي استعداداً للاستفادة من نهج التحول إلى الاقتصاد الأخضر. ويعكس هذا التوجّه رغبتها في حماية محافظها الاستثمارية ضد المخاطر المرتبطة بالقضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة. ويبرز هذا التحوّل أيضاً زيادة الوعي في أوساط المستثمرين والمستهلكين والجهات التنظيمية إزاء التأثيرات بعيدة المدى الناجمة عن عمليات الشركات، والتي تتجاوز مكاسبها المالية على المدى القصير.
وتبرز التنمية المستدامة ضمن قائمة الأولويات الرئيسية للشركات، وخاصة في الدول التي تتبع حكوماتها استراتيجية تقدميّة طموحة، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أسهم العديد من المبادرات الوطنية والخطط الإستراتيجية التي أطلقتها في زيادة اعتماد المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة وإعداد التقارير. ومن أهم هذه الخطوات التوجيه الصادر في العام 2021 عن هيئة الأوراق المالية والسلع في الإمارات لتكليف الشركات المدرجة بإعداد تقارير المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة. وتحظى هذه الإجراءات بالدعم أيضاً من خلال الخطط والرؤى الوطنية الأوسع نطاقاً طويلة المدى، مثل الأجندة الخضراء 2030 في الإمارات، وإطار التمويل المستدام في الإمارات، واستراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050.
وتماشياً مع هذا التوجّهات، أصبحت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة تأتي في مقدمة اهتمامات المستثمرين في الإمارات. وكشفت دراسة استقصائية أجرتها “إيتورو” مؤخراً أن ما يزيد على 84% من المستثمرين الأفراد في الإمارات يركزون في المقام الأول حالياً على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في عملية صنع القرار، بينما يعتزم 13% منهم تبنّى النهج ذاته في المستقبل القريب.
وفي إطار المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة، تأتي العوامل البيئية في مرتبة الصدارة، حيث صنّفها 47% من المشاركين في الدراسة كأولوية قصوى بالنسبة إليهم، بينما جاءت العوامل الاجتماعية في المرتبة الثانية بنسبة 31%، تليها عوامل الحوكمة بنسبة 22%. وحول العوامل التي تحفز المستثمرين على مراعاة الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في قراراتهم الاستثمارية، يعتقد أكثر من 37% من المشاركين أنها توفر رؤى تتجاوز الأطر التقليدية لعملية التحليل المالي، حيث يقول أكثر من 35% منه هؤلاء إن الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة تؤثر بشكل مباشر على الأداء المالي. وتشير البيانات إلى أن المستثمرين الأفراد في الإمارات يربطون بين الإجراءات الأخلاقية الملموسة من جهة وبين الأداء المالي من جهة أخرى إلى حد كبير.
وتشير التوقعات إلى أن المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة ستكتسب المزيد من الزخم على مستوى العالم في السنوات المقبلة، في الوقت الذي ستلعب فيه الاتجاهات الاستثمارية بين جيل الألفية دوراً مؤثراً. وتُشير البيانات الصادرة عن وكالة “مورغان ستانلي” إلى أنه من المرجح أن يسهم المستثمرون من جيل الألفية في تعزيز الاستثمار المستدام في فئات ومجالات الأصول الجديدة في السنوات العشر المقبلة. وتشير تقديرات وكالة “برايس ووترهاوس كوبرز” إلى أن قيمة سوق الأصول العالمية المتوافقة مع المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة قد تتجاوز 53 تريليون دولار أمريكي (أي ما يزيد على 194 تريليون درهم إماراتي) بحلول نهاية العام المقبل 2025، الأمر الذي يُظهر وجود فرصة استثمارية تتجاوز قيمتها تريليونات الدولارات.
ومن المتوقع أن يواكب المستثمرون في الإمارات هذه الاتجاهات العالمية، انطلاقاً من رغبتهم في الالتزام الأخلاقي، والحدّ من المخاطر، وتحقيق التأثير المجتمعي الإيجابي. ويدرك أكثر من 38% من المشاركين في الدراسة أهمية المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، في حين يجد أكثر من 48% منهم أنه من السهل عليهم دمجها في استراتيجياتهم الاستثمارية. ومن المتوقع أيضاً أن تجذب قطاعات مثل الطاقة والطاقة المتجددة المزيد من المستثمرين المحليين في المستقبل، حيث أعرب 62% و56% من المستثمرين الأفراد في الإمارات على التوالي عن اهتمامهم بالاستثمار في هذين المجالين.
وفي نهاية المطاف، يتطلع المستثمرون إلى أن تحقق استثماراتهم الأهداف المرجوّة منها على المدى الطويل، وأن تظل محصّنة من تأثير السياسات البيئية الضعيفة، أو الافتقار إلى الوعي الاجتماعي أو الإدارة. وبما أنه أصبح من السهل رصد العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة باستخدام أي من المنصات الاستثمارية الموثوقة، فقد بات بمقدور المستثمرين الأفراد الاطلاع بصورة أفضل على أداء الشركات التي يستثمرون فيها، ليس فقط لتخفيف المخاطر، وإنما أيضاً لاكتشاف الفرص الرائعة التي توفّرها لهم.
بقلم جورج ندّاف، المدير الإقليمي لمنطقة مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة “إيتورو”