يواجه مستثمرو الذهب أوقاتاً عصيبة منذ بداية العام الجاري، في وقت تتألق فيه غالبية فئات الأصول الأخرى حتى رفاقه من المعادن الصناعية، تاركين المعدن الأصفر في دائرة الخسائر، وسط آمال أن تساهم حملات التطعيم المستمرة ضد وباء كورونا في إنعاش الاقتصاد العالمي.
وتراجع المعدن النفيس في الأسبوع الماضي لأدنى مستوى في 6 أشهر بعدما انزلق دون مستويات 1760 دولار للأوقية، ولم يكن التعافي الجزئي في آخر جلستين كافياً لمنع الذهب من تسجيل خسائر أسبوعية بنحو 2.5% هي الأسوأ منذ الأسبوع الأول من العام الجديد.
في الحقيقة، خسائر المعدن الأصفر لم تكن وليدة الأسبوع المنصرم فقط، فمنذ الإعلان عن لقاحات فيروس كورونا، تخلى الذهب عن مستوياته القياسية المرتفعة أعلى 2070 دولاراً والتي عانقها في أغسطس الماضي، مع عدم اليقين بشأن الوباء ومحاولة العديد من الدول وقف النزيف الاقتصادي من عمليات الإغلاق من خلال حزم التحفيز الضخمة ومعدلات الفائدة المنخفضة تاريخياً.
ومنذ ذلك الحين، اختبر المعدن الأصفر مستويات 1900، ثم 1800، والآن يقبع عند 1700 دولار للأوقية، فلماذا أصبح الذهب عاجزاً عن الارتفاع، ويسجل انخفاضاً تلو الآخر؟
*أداء الذهب منذ أغسطس الماضي
ارتفاع عوائد السندات
بينما يُنظر إلى الذهب على أنه وسيلة للتحوط من التضخم وكان هذا السبب الرئيسي في مكاسب المعدن الأصفر بنحو 22% في العام الماضي، أدت توقعات التضخم المرتفعة عند أعلى مستوياتها في 6 سنوات إلى صعود عوائد السندات الحكومية، مما زاد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الذي لا يدر عوائد.
وارتفعت عوائد السندات الأمريكية مؤخراً لأعلى مستوياتها منذ فبراير الماضي، وسجلت في الأسبوع المنصرم أكبر زيادة في 6 أسابيع، مع توقعات بأن يصل عائد سندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات، والذي يقف حالياً أعلى 1.3%، إلى مستوى 2% بنهاية العام الجاري حال تمرير حزمة التحفيز المقترحة من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن والبالغ قيمتها 1.9 تريليون دولار.
كما أن ارتفاع الدولار الأمريكي في الفترة الأخيرة وسط إشارات بشأن تعافي اقتصاد الولايات المتحدة بشأن أسرع من أوروبا شكّل ضغطاً إضافياً على الذهب ودفعه لخسائر بحوالي 6% منذ بداية العام الجاري، كونه يجعل المعدن الأصفر أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى.
هبوط الطلب على المعدن
من الرياح المعاكسة أيضاُ لسوق الذهب، هي أن شراء البنوك المركزية للذهب الذي يعتبر دافعاً تقليديًا إلى ارتفاع أسعار المعدن النفيس أظهر مؤخراً علامات على التراجع، حيث إن الوباء أدى إلى انخفاض طلب البنوك المركزية على المعدن بحوالي 60% إلى 273 طناً في العام الماضي الذي سعت فيه هذه البنوك للحصول على السيولة في سيبل دعم اقتصادات من تداعيات كورونا.
ورغم أن عدم اليقين المتزايد واستجابة السياسات للوباء قد دعم الطلب السنوي على الاستثمار في الذهب بنحو 40% خلال العام الماضي مع تلقى صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب تدفقات قياسية، إلا أنه في الوقت ذاته كانت الجائحة بتداعياتها الدافع وراء ضعف طلب المستهلكين على المعدن الأصفر.
وفي عام 2020، تراجع إجمالي الطلب العالمي على الذهب بنحو 14% إلى 3759.6 طن، مسجلاً أكبر هبوط سنوي في 11 عاماً، بحسب التقرير الصادر عن مجلس الذهب العالمي في الشهر الماضي، وجاء ذلك مع انخفاض الطلب على المعدن النفيس بنسبة 28% على أساس سنوي إلى 783.4 طن في الربع الرابع، مما يجعله الربع الأضعف منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
كما أصاب الوباء مبيعات المجوهرات الذهبية في جميع أنحاء العالم، لتهبط بنحو 34% في العام الماضي إلى 1411.6 طن، مع تراجع إنفاق المستهلكين وقيود الإغلاق الناجمة عن الفيروس، خاصة في الصين والهند الأكثر استهلاكاً في العالم على التوالي، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي الذي ذكر أيضاً أن تأثيرات الوباء من المرجح أن يتردد صداها في الربع الأول من عام 2021، وربما بعده.
تراجع جاذبية الذهب
تزداد جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين السياسي والاقتصادي، لكن في الفترة الأخيرة سيطر الهدوء والتفاؤل على معنويات المستثمرين، مع اتخاذ الولايات المتحدة نهجاً أكثر تصالحاً تجاه الصين وإيران عكس إدارة دونالد ترامب، وبالتالي فإن عدم وجود أي علامات بشأن أزمات سياسية أو اقتصادية يقلل الحاجة إلى شراء الذهب.
كما أن المعدن الأصفر فشل في منح المستثمرين مكاسب مماثلة مقابل التي يحصلون عليها في فئات الأصول الأخرى خلال الفترة الأخيرة، مما قلل من اهتمام المستثمرين به وأصبحوا أكثر تركيزاً الآن على أسواق الأسهم التي تحقق مستويات قياسية، والبيتكوين صاحبة الارتفاعات الصاروخية حيث تجاوزت حاجز 57 ألف دولار لأول مرة على الإطلاق بدعم قبول متزايد من مؤسسات وشركات كبيرة.
ليس هذا فحسب، بل إن رفاق المعدن الأصفر من المعادن الصناعية بدأت تسحب البساط رويداً رويداً من الذهب، إذ ارتفع النحاس لأعلى مستوى منذ عام 2011 مع تزايد الطلب بدعم آمال انتعاش قطاع الصناعة، كما صعد البلاتين لمستويات لم يشهدها منذ 6 سنوات أعلى 1300 دولار للأوقية، مع حقيقة أن التحول المتسارع إلى السيارات الكهربائية رفع الطلب على المعدن الذي يستخدم في المحولات المحفزة لخفض التلوث في صناعة السيارات.
في النهاية، رغم العوامل السلبية سالفة الذكر، لا تزال توقعات ارتفاع الذهب بنهاية العام الجاري موجودة حيث يجب أن يستمر في الاستفادة من استمرار السياسة النقدية التيسيرية وانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، فهل يوقف المعدن الأصفر نزيفه سريعاً، أم تزيد شهية المخاطرة المرتفعة من معاناته؟
*منصة eToro هي منصة متعددة الأصول تُتيح إمكانية الاستثمار في الأسهم والأصول الرقمية، بالإضافة إلى التداول على أصول عقود الفروقات. يرجى ملاحظة أن عقود الفروقات هي أدوات مُعقدة وتتضمن مخاطر عالية بخسارة سريعة للأموال بسبب الرافعة. ينبغي عليك مراعاة ما إذا كنت تتفهم كيفية عمل عقود الفروقات وما إذا كنت تستطيع تحمل مخاطر عالية بخسارة أموالك.
الأصول الرقمية هي أدوات غير مستقرة ويمكن أن تتعرض لتقلبات سعرية هائلة في فترات زمنية قصيرة للغاية، وبالتالي فإنها ليست مُناسبة لجميع المُستثمرين. بخلاف العقود مقابل الفروقات، فإن تداول العملات الرقمية لا يخضع للتنظيم، وبالتالي لا تخضع لإشراف أي إطار تنظيمي بالاتحاد الأوروبي. رأس مالك في خطر. الأداء السابق ليس مؤشرًا على النتائج المستقبلية.
شركة eToro (Europe) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والبورصات القبرصية (CySEC) بمقتضى الترخيص رقم 109/10.
شركة eToro (UK) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة مراقبة السلوكيات المالية (FCA) بمقتضى الترخيص رقم FRN 583263.
شركة eToro AUS Capital Pty Ltd هي شركة خاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والاستثمارات الأسترالية (ASIC)، مُتخصصة في تقديم الخدمات المالية بموجب ترخيص الخدمات المالية الأسترالية 491139.