بدأت مخاوف الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة تتسلل إلى نفوس المستثمرين، بعد انعكاس منحنى عائد السندات الأمريكية الأسبوع الماضي، مع القلق من أن الاتجاه القوي من قبل الاحتياطي الفيدرالي لرفع معدلات الفائدة، من أجل ترويض التضخم المرتفع سيؤدي إلى تباطؤ حاد للاقتصاد الأمريكي.
في حين أن زيادة معدلات الفائدة يمكن أن تكون سلاحًا لكبح جماح التضخم، إلا أنها في الوقت نفسه تحمل في طياتها مخاوف تتعلق بتباطؤ النمو الاقتصادي عن طريق زيادة تكلفة الاقتراض لكل شيء بدءًا من الرهن العقاري إلى قروض السيارات.
وهذا ما جعل سوق السندات الأمريكية يومض بعلامة تحذير من الركود، حيث ارتفعت عوائد السندات قصيرة الأجل، أعلى من نظيرتها طويلة الأجل خلال الأسبوع الماضي، وهذا ما يُسمى بانعكاس منحنى العائد، الذي يعني أن المستثمرين أصبحوا أكثر تشاؤمًا بشأن توقعاتهم على المدى الطويل.
وتاريخيًا، انعكس منحنى عائد السندات قبل جميع فترات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة تقريبًا منذ منتصف القرن الماضي، فهل الانعكاس الأخير، الذي يأتي بعد انكماش الاقتصاد في عام الوباء، علامة صحيحة على ركود آخر أم أنه تحذير كاذب؟
انعكاس منحنى العائد
بعد أسبوعين تقريبًا من قرار الاحتياطي الفيدرالي بزيادة معدل الفائدة لأول مرة منذ 2018، انعكس منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية، مما أثار مخاوف من ركود محتمل، خاصة وأن الأمر تكرر مرتين في أسبوع واحد، بين آجال استحقاق مختلفة.
يوم الإثنين الماضي، حدث الجزء الأول من انعكاس منحنى عائد السندات، حينما ارتفع عائد السندات الأمريكية لآجل 5 سنوات، أعلى من عائد الديون الحكومية لآجل 30 عامًا، وذلك للمرة الأولى منذ 2006، أيّ قبل الركود الاقتصادي الذي سببته الأزمة المالية العالمية.
واستمر الانعكاس على مدار الأسبوع الماضي، ليُنهي عائد الديون الحكومية لمدة 5 سنوات تعاملات الأسبوع عند 2.56%، ليكون أعلى من عائد السندات الأمريكية لآجل 30 عامًا، الذي سجل 2.43%.
كما انعكس جزءًا آخرًا منحنى العائد يوم الثلاثاء الماضي، حينما ارتفع عائد السندات الأمريكية لمدة عامين، فوق عائد السندات لآجل سنوات، واستمر كذلك مع نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، حيث سجل الأول 2.46%، والثاني 2.38%.
وبصفة خاصة، يعد هذا الجزء من منحنى العائد -الفارق بين عائد السندات لآجل عامين وذات آجل 10 سنوات- هو الأكثر مراقبة من المستثمرين ويعطي عادةً قدرًا أكبر من المصداقية بأن الاقتصاد قد يتجه نحو الركود عندما ينعكس هذا المنحنى، وهو الأمر الذي حدث آخر مرة في عام 2019، قبل أن يدخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود في العام التالي، وإن كان ذلك بسبب تداعيات وباء كورونا، الذي أضر العالم أجمع.
لماذا انعكس منحنى العائد؟
يأتي انعكاس منحنى العائد، بعد أن رفع الفيدرالي الأمريكي معدل الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في منتصف الشهر الماضي، كما ألمح إلى إمكانية رفع أسعار الفائدة 6 مرات إضافية هذا العام، في محاولة لكبح جماح التضخم الذي وصل لأعلى مستوياته في 40 عامًا.
حتى قبل قرار رفع الفائدة، كانت الأسواق قد سعّرت بالفعل سلسلة من الزيادات لتكاليف الاقتراض، مما أدى إلى ارتفاع عوائد الديون الحكومية الأمريكية قصيرة الأجل بشكل كبير هذا العام، في المقابل، ارتفعت عوائد السندات طويلة الأجل بوتيرة أبطأ، وسط مخاوف من أن تشديد السياسة النقدية قد يضر بالاقتصاد الأمريكي، أو أن تسارع التضخم سيؤدي إلى خفض العائد المتوقع من امتلاك السندات طويلة الأجل.
نتيجة لذلك، كان منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية مسطحًا بشكل عام في العام الجاري، قبل أن نشهد انعكاسه في الأسبوع الماضي، خاصة بعد تصريحات أكثر حدة بشأن السياسة النقدية من قبل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول، بأن المركزي الأمريكي قد يكون أكثر جرأة في رفع أسعار الفائدة، في محاولة لإبقاء التضخم تحت السيطرة.
وهذا يفتح الطريق أمام زيادات أكبر من المتوقع لأسعار الفائدة هذا العام، ففي الاجتماع المقبل (4 مايو)، يتوقع نحو 70% من المستثمرين رفع معدلات الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، لتتراوح بين 0.75% إلى 1%، فيما ترى النسبة المتبقية احتمالية زيادة الفائدة بنحو 25 نقطة أساس، وذلك بحسب أداة، سي.إم.إيه، التي تتبع تداول العقود الآجلة لمؤشر الاحتياطي الفيدرالي، كما يوضح الرسم التالي.
هل الوضع ينذر بالركود فعلًا؟
في الحقيقة، ليس هناك إجماع على أن انعكاس منحنى العائد الأسبوع الماضي يعطي إشارة مؤكدة على حدوث ركود اقتصادي كما يقول التاريخ، خاصة وأن المنحنى يحتاج في الغالب إلى أن يظل معكوسًا لفترة طويلة من الوقت قبل أن يعطي إشارة صحيحة.
ويرى البعض أن انعكاس منحنى العائد يظل مؤشرًا على الركود، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار، خاصة وأن الاقتصاد بالفعل ليس في أفضل حالاته، حيث أدى ارتفاع معدل التضخم، الذي تفاقم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، إلى زيادة المخاوف بشأن احتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي، أو ما يُعرف تحديدًا بالركود التضخمي، إذ تؤدي الأسعار المرتفعة إلى تراجع الطلب من قبل المستهلكين.
بينما يرى البعض الأخر أن عوائد السندات طويلة الأجل مقومة بأقل من قيمتها، نظرًا لبرنامج شراء السندات الذي أطلقه الاحتياطي الفيدرالي في ظل وباء كورونا، ولكن سيعود الوضع إلى طبيعته مع البدء في تقليص الميزانية العمومية.
وفي الحقيقة، فإن الحديث عن الركود الاقتصادي سابق لأوانه، خاصة وأننا لم نشهد انعكاس لهذه المخاوف في أسواق الأسهم، التي لا تزال في الاتجاه الصاعد، وبدأت تتعافي من الخسائر التي خلّفتها الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن النمو الاقتصادي الأمريكي مطمئنًا حتى الآن.
وفي إجمالي 2021، نما اقتصاد الولايات المتحدة بنحو 5.7% وهي أقوى وتيرة منذ عام 1984، بعدما انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.4% في عام الوباء، وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى نموه بنحو 4% العام الجاري، قبل أن يتباطأ إلى 2.6% العام المقبل.
كما أن بيانات سوق العمل وهي أحد المؤشرات الاقتصادية التي يستخدمها الاحتياطي الفيدرالي للمساعدة في تحديد اتجاهه بشأن السياسة النقدية، لا تزال قوية، حيث تقف طلبات إعانة البطالة الأمريكية عند أقل مستوياتها منذ عام 1969، كما تراجع معدل البطالة خلال مارس الماضي إلى 3.6%، وأضاف الاقتصاد الأمريكي 431 ألف وظيفة إلى سوق العمل في الشهر نفسه، على الرغم من مخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي.
*منصة eToro هي منصة متعددة الأصول تُتيح إمكانية الاستثمار في الأسهم والأصول الرقمية، بالإضافة إلى التداول على أصول عقود الفروقات. يرجى ملاحظة أن عقود الفروقات هي أدوات مُعقدة وتتضمن مخاطر عالية بخسارة سريعة للأموال بسبب الرافعة. ينبغي عليك مراعاة ما إذا كنت تتفهم كيفية عمل عقود الفروقات وما إذا كنت تستطيع تحمل مخاطر عالية بخسارة أموالك.
الأصول الرقمية هي أدوات غير مستقرة ويمكن أن تتعرض لتقلبات سعرية هائلة في فترات زمنية قصيرة للغاية، وبالتالي فإنها ليست مُناسبة لجميع المُستثمرين. بخلاف العقود مقابل الفروقات، فإن تداول العملات الرقمية لا يخضع للتنظيم، وبالتالي لا تخضع لإشراف أي إطار تنظيمي بالاتحاد الأوروبي. رأس مالك في خطر. الأداء السابق ليس مؤشرًا على النتائج المستقبلية.
شركة eToro (Europe) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والبورصات القبرصية (CySEC) بمقتضى الترخيص رقم 109/10.
شركة eToro (UK) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة مراقبة السلوكيات المالية (FCA) بمقتضى الترخيص رقم FRN 583263.
شركة eToro AUS Capital Pty Ltd هي شركة خاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والاستثمارات الأسترالية (ASIC)، مُتخصصة في تقديم الخدمات المالية بموجب ترخيص الخدمات المالية الأسترالية 491139.