في أسواق النفط، إذا رأيت الأسعار وصلت إلى القاع، فلا تعتقد أن القمة بعيدة، ففي الوقت الحالي تعانق أسعار النفط مستوى 100 دولار للبرميل، بعد أقل من عامين فقط من انهيار الخام في أعقاب تفشي وباء كورونا؛ إذ جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتختصر كثيرًا على النفط للوصول إلى 100 دولار، فكيف حدث ذلك، وما السيناريوهات القادمة؟
كانت غالبية التوقعات تشير إلى هدوء نسبي في المسار الصعودي لأسعار النفط خلال 2022، بعد أن قفزت بأكثر من 50% في العام الماضي، وانتعشت من النفق المظلم للوباء، الذي انزلقت فيه عام 2020، حينما تهاوى خام برنت بالقرب من 15 دولارًا، ورأينا خام غرب تكساس الأمريكي أدنى من الصفر في حدث غير مسبوق.
ورغم الانتعاش الكبير العام الماضي، لم تهدأ ارتفاعات أسعار النفط هذا العام، بل حققت نصف مكاسبها تقريبًا في 2021، خلال أول شهرين فقط من 2022، إذ قفزت بأكثر من 27%، ليس هذا فحسب، بل تجاوزت مستوى رئيسي دائمًا ما يهفو إلى ثيران النفط، حينما حلّقت مرتفعة فوق 100 دولار للبرميل.
ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا يوم الخميس، ارتفعت أسعار خام برنت إلى مستويات 105 دولارات للبرميل، لأول مرة منذ عام 2014، كما قفز سعر الخام الأمريكي فوق مستوى 100 دولار، قبل أن يقلص كلا الخامين مكاسبهما عند حوالي 98 دولارًا و92 دولارًا على التوالي، مع ختام تعاملات الأسبوع الماضي.
*أداء الخام الأمريكي منذ بداية 2021
أسباب الصعود المستمر
لا يخفى على أحد أن التوترات السياسية بين روسيا وأوكرانيا كانت أبرز العوامل الداعمة لارتفاع أسعار النفط منذ بداية العام، لكن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، واتباعها ببدء الغزو العسكري لأوكرانيا، جعل الأسعار تصل إلى حاجز 100 دولار من أقرب محطة.
جاء ذلك بالتزامن مع النظرة المتفائلة بالفعل لاستمرار الطلب العالمي على النفط في الارتفاع هذا العام، حيث من المتوقع ألا يتجاوز مستويات ما قبل الوباء فقط، بل يصل إلى مستوى قياسي جديد خلال الربع الثالث من العام الجاري؛ إذ تتوقع منظمة أوبك أن يبلغ الطلب على النفط مستوى 101.32 مليون برميل يوميًا، ليتجاوز بذلك الرقم القياسي المسجل في الربع الأخير من 2019، عند 100.79 مليون برميل يوميًا.
وفي إجمالي العام، تتوقع أوبك نمو استهلاك النفط عالميًا بنحو 4.15 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي في المتوسط إلى 100.79 مليون برميل يوميًا، فيما تقدر وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط سينمو 3.2 مليون برميل يوميًا، ليكون من المرجح أن يصل الإجمالي إلى 100.60 مليونًا.
وحتى قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، كان نقص الإمدادات ضمن أسباب قفزة الأسعار، رغم بدء تعافي الإنتاج واستمرار تحالف أوبك+ في الزيادة التدريجية للإنتاج بنحو 400 ألف برميل يوميًا كل شهر، لكن حتى هذه الزيادة التدريجية يكافح أعضاء أوبك وعلى رأسهم نيجيريا وليبيا، للوفاء بحصص الإنتاج.
وأظهرت التقديرات الواردة في تقرير سوق النفط الشهري لوكالة الطاقة الدولية خلال فبراير أن الفجوة بين إنتاج أوبك+ والمستويات المستهدفة ارتفعت إلى ما يصل إلى 900 ألف برميل يوميًا في يناير الماضي.
كما تباطأ إنتاج النفط الصخري الأمريكي في استعادة مستويات ما قبل كورونا، وسط ضغوط من المستثمرين لزيادة العوائد المالية في المقام الأول لتعويض خسائر الوباء، بدلًا من الإنفاق، الذي يعاني أيضًا من شكوك كبيرة في ظل أهداف خفض الانبعاثات، ودعوات وكالة الطاقة الدولية إلى التوقف الفوري عن استثمارات الوقود الأحفوري.
سيناريوهات الأسعار
الآن، ووسط كل هذه الأمور الداعمة لأسعار النفط، ماذا بعد؟ هل تعزز صعودها فوق 100 دولار أم تكتفي بالمكاسب الحالية؟ وهل يكون لتحالف أوبك+ دورًا في التأثير على تحركات الأسعار في الفترة المقبلة؟
جميع هذه الأسئلة ستضح إجاباتها في الأيام القليلة المقبلة، سواءً من خلال كيفية تطور الحرب الروسية الأوكرانية أو من خلال الاجتماع المقبل لمنظمة أوبك وحلفائها الأسبوع الجاري، لكن الأمر المستبعد إلى حد ما هو حدوث هبوط حاد لأسعار الخام، مع حقيقة أن جميع العوامل الحالية تدعم الاتجاه الصعودي.
في سيناريو حدوث المزيد من التصاعد بين روسيا وأوكرانيا، فإن أسعار الخام قد لا تتخلى عن مستويات 100 دولار للبرميل، وخاصة وإن تطورت العقوبات الأمريكية والأوروبية وطالت قطاع الطاقة، أو نظام المدفوعات العالمي المعروف باسم “سويفت”، الذي سيؤثر كثيرًا في أسواق النفط والغاز.
وعلى العكس من ذلك، إذا خفت حدة التوترات بين روسيا وأوكرانيا في الأيام المقبلة، فإن أسعار النفط قد تشهد تراجعًا مؤقتًا، ومع ذلك، من المرجح أن يستمر المسار الصعودي للنفط بسبب مخاوف الإمدادات، التي تأتي من جهات متفرقة، فأوبك كما ذكرنا تكافح للوفاء بحصص الإنتاج، الأمر الذي جعل المنظمة تخفض توقعاتها بشأن فائض سوق النفط في 2022 بنحو 200 ألف برميل يوميًا إلى 1.1 مليون برميل يوميًا، حسبما نقلت رويترز عن تقرير اللجنة الفنية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المعروض النفطي العالمي قد يلتقط أنفاسه هذا العام، فإنتاج النفط الأمريكي يتجه إلى 12 مليون برميل يوميًا، بل تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يصل إلى مستوى قياسي عند 12.60 مليونًا العام المقبل، هذا فضلًا عن محادثات الاتفاق النووي التي تُجرى حاليًا بين الولايات المتحدة وإيران، والتي من شأن نجاحها أن يضيف المزيد من الإمدادات إلى السوق، ما قد يسهم أيضًا في استقرار العرض إلى حد ما.
فضلًا عن سيناريوهات العرض والطلب التي تحرك السوق، فإن أيّ تدخل مفاجئ من تحالف أوبك+ لتهدئة مكاسب أسعار النفط، بالطبع قد يكبح جماح الاتجاه الصعودي، لكن في الحقيقة لا توجد أيّ بوادر على أن تحالف أوبك+ سيتخذ إجراءً جديدًا في اجتماعه هذا الأسبوع، حيث من المتوقع أن تحافظ المجموعة على الزيادة التدريجية للإنتاج.
وفي كل هذه العوامل الداعمة للأسعار، يتوقع العديد من البنوك الاستثمارية استمرار صعود أسعار النفط، فعلى سبيل المثال يرى بنك جيه بي مورجان أن أسعار الخام قد تصل إلى مستويات 125 دولارًا خلال الربع الثاني من عام 2022.
في النهاية، إذا حافظت أسعار النفط على مستوياتها فوق 100 دولار لفترة ليست قصيرة، فإن أوبك قد تُجبر على التدخل حتى لا تتراكم الضغوط التضخمية على الاقتصاد العالمي، ونرى انعكاسًا لمسار التعافي الحالي، ومن ثم ركود الطلب.
منصة eToro هي منصة متعددة الأصول تُتيح إمكانية الاستثمار في الأسهم والأصول الرقمية، بالإضافة إلى التداول على أصول عقود الفروقات. يرجى ملاحظة أن عقود الفروقات هي أدوات مُعقدة وتتضمن مخاطر عالية بخسارة سريعة للأموال بسبب الرافعة. ينبغي عليك مراعاة ما إذا كنت تتفهم كيفية عمل عقود الفروقات وما إذا كنت تستطيع تحمل مخاطر عالية بخسارة أموالك.
الأصول الرقمية هي أدوات غير مستقرة ويمكن أن تتعرض لتقلبات سعرية هائلة في فترات زمنية قصيرة للغاية، وبالتالي فإنها ليست مُناسبة لجميع المُستثمرين. بخلاف العقود مقابل الفروقات، فإن تداول العملات الرقمية لا يخضع للتنظيم، وبالتالي لا تخضع لإشراف أي إطار تنظيمي بالاتحاد الأوروبي. رأس مالك في خطر. الأداء السابق ليس مؤشرًا على النتائج المستقبلية.
شركة eToro (Europe) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والبورصات القبرصية (CySEC) بمقتضى الترخيص رقم 109/10.
شركة eToro (UK) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة مراقبة السلوكيات المالية (FCA) بمقتضى الترخيص رقم FRN 583263.
شركة eToro AUS Capital Pty Ltd هي شركة خاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والاستثمارات الأسترالية (ASIC)، مُتخصصة في تقديم الخدمات المالية بموجب ترخيص الخدمات المالية الأسترالية 491139.