وسط الأزمة الحالية.. لماذا الخوف من الفائدة السالبة؟

تتطلب الأزمات غير المسبوقة اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، لذلك تظهر دعوات بضرورة قيام البنوك المركزية بخفض أكثر لمعدلات الفائدة إلى مستويات تاريخية، لمحاربة الركود الحاد الذي يواجهه الاقتصاد العالمي والناجم عن تداعيات جائحة كورونا.

ومع حقيقة أن معدلات الفائدة في البنوك المركزية الكبرى قريبة من الصفر، فإن خفض أكثر لتكاليف الاقتراض يعني الانزلاق إلى الفائدة السالبة أو التعمق فيها بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي واليابان القابعة بالفعل في المنطقة السالبة.

وفي ظل أزمة الوباء، تعهدت البنوك المركزية بفعل ما في وسعها لمجابهة الآثار السلبية لتفشي كورونا، واتخذت إجراءات ضخمة بالفعل من شراء كميات غير محدودة من السندات وخفض معدلات الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، حيث قلص الاحتياطي الفيدرالي الفائدة إلى مستوى يتراوح بين صفر إلى 0.25%، كما خفض بنك إنجلترا الفائدة إلى 0.1%.

لكن حتى هذا الحد لمعدلات الفائدة، استبعد الفيدرالي الأمريكي والمركزي البريطاني إمكانية خفض الفائدة للنطاق السالب لأول مرة على الإطلاق رغم تعهدهما باستخدام كافة الأدوات لدعم الأسواق والاقتصاد الذي لا يزال في حاجة على المزيد من التحفيز باعتراف البنوك المركزية.

مبدئياً، ماذا تعنى الفائدة السالبة؟ 

ببساطة هي أن يدفع الأفراد والمؤسسات فوائد مقابل الاحتفاظ بأموالهم في البنوك، كما تدفع البنوك فوائد أيضاً مقابل الاحتفاظ بالاحتياطي الخاص بها في البنك المركزي، بينما المقترض يحصل على فوائد عن سحب ودائعه.

 وهذا على عكس الوضع الطبيعي، ففي الأصل يحصل الأفراد على عوائد مقابل الأموال التي يودعونها في البنوك.

تاريخياً، وفي آخر ركود عالمي في الأزمة المالية العالمية التي وقعت في عام 2008 قام بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا وبنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي بخفض معدلات الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، قبل أن يتحول بعض الدول إلى النطاق السالب في عام 2014.

مزايا الفائدة السالبة

ومن المعروف أن الدول تلجأ إلى سياسة الفائدة السالبة في أوقات الركود الاقتصادي لدفع عجلة الاقتصاد من خلال تشجيع الأفراد والمؤسسات على إنفاق الأموال واستثمارها بدلاً تخزينها في البنوك بسبب الذعر الذي يخيم عليهم في هذه الظروف، كما يعتبر هذا حافز للبنوك التجارية لتقديم القروض للأفراد، بدلاً من الاحتفاظ بها في البنك المركزي ودفع فوائد مقابل ذلك، بهذا الشكل تضمن البنوك المركزية الحفاظ على مستويات السيولة في السوق.

كما أن تراجع الفائدة دون الصفر يؤدي إلى تخفيض قيمة عملة الدولة وهذا بدوره يعني أن صادرات الدولة أرخص مقارنة بغيرها، مما يعزز صناعات التصدير لديها.

لهذا السبب في الغالب، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دائم الانتقاد للمركزي الأوروبي بسبب أنه يعتمد على الفائدة السالبة والتي من شأنها جعل الصادرات الأوروبية أرخص من نظيرتها الأمريكية وبالتالي تقلل الميزة التنافسية للولايات المتحدة.

إذن لماذا تخشى البنوك المركزية الفائدة السالبة رغم أنها قد تكون في حاجة إليها في ظل الأزمة الحالية؟

لطالما دافع البنك المركزي الأوروبي عن معدلات الفائدة السالبة بصوت مرتفع، مشيراً إلى أنها ضرورية لضمان استقرار الأسعار ودعم اقتصاد منطقة اليورو الضعيف.

لكن بعد أن طرقت أزمة كورونا الأبواب، لم يقترب المركزي الأوروبي من معدلات الفائدة السالبة بأي تعديل ليقف معدل الفائدة على تسهيلات الودائع عند سالب 0.50% رغم الانكماش القياسي لاقتصاد منطقة اليورو، ولجأ بدلاً من ذلك إلى تعزيز مشتريات الأصول وضخ السيولة.

*معدل الفائدة الأوروبية منذ الأزمة المالية العالمية

ربما لأن أوروبا ضاعت ذرعاً بالآثار الجانبية للفائدة السالبة وعدم وجود مساحة كافية لخفض أكثر للفائدة في النطاق السالب، وهذا ما دفع البنك المركزي السويدي لرفع معدل الفائدة من النطاق السالب (-0.25%) إلى الصفر لأول مرة منذ 5 سنوات، وذلك مع اقتراب معدل التضخم من مستهدف البنك المحدد عند 2%.

الحال نفسه، كان في اليابان التي تقبع أيضاً في الفائدة السالبة عند سالب 0.1%، حيث أشار “هاروهيكو كورودا” إلى أنه من السابق لأوانه خفض معدلات الفائدة بشكل أعمق إلى المنطقة السالبة مع تركيز البنك المركزي على ضخ الأموال في الشركات التي تعاني من ضائقة مالية والحفاظ على استقرار الأسواق.

مع ذلك، فالخوف من الفائدة السالبة قد يكون أكثر وضوحاً في الدول التي لم تتذوق آثارها الجانبية، حيث يوجد مخاوف لدى الاحتياطي الفيدرالي بشأن معدلات الفائدة السالبة تتعلق بالاستقرار المالي، وهي مسؤولية جديدة نسبياً للبنوك المركزية فضلاً عن أهداف استقرار الأسعار والحد الأقصى للتوظيف.

ومثلما يقول “نارايانا كوتشرلاكوتا” عضو الفيدرالي السابق: “بكل وضوح، فإن الفيدرالي يتخلى عن تقليص معدل البطالة من أجل المساعدة في بقاء البنوك والمساهمين في وضع أكثر أماناً”.

ومن المؤكد أن معدلات الفائدة السالبة قد تساعد على خفض معدلات البطالة من مستوياتها الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية، لكن يقلق صناع السياسة من أن تضغط الفائدة السالبة على ربحية البنوك، الأمر الذي يخاطر بجعل النظام المالي أكثر عرضة للتعثر.

وبما أن الفائدة السالبة ستجعل البنوك التجارية تدفع أموالاً على الودائع لدى البنك المركزي، فمن شأن ذلك في نهاية المطاف أن يجبر البنوك على تمرير الفائدة السالبة إلى العملاء وهو ما حدث بالفعل في بعض البنوك الأوروبية، مما يؤثر على المدخرين.

كما أن هناك مخاوف بشأن التقاعد، حيث أن بيئة معدلات الفائدة السالبة تثير العديد من التساؤلات حول كيفية الحفاظ على الثروة خاصةً لأولئك الذين يحاولون الادخار للتقاعد.

فضلاُ عن الآثار السلبية للفائدة السالبة السالف ذكرها، يبرز القلق أيضاً من أن الفائدة السالبة ستجعل أسواق الأسهم تسجل مستويات قياسية حيث يؤدي هبوط عوائد السندات إلى البحث عن المكاسب في استثمارات أخرى وإن كانت الأصول الخطرة، ومن شأن الارتفاع الكبير والمستمر لأسعار الأسهم أن يكون ذات عواقب وخيمة ويؤدي إلى انفجار الفقاعة في النهاية.

لهذه الأسباب، قال رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي إنهما لا يعتقدان أن أسعار الفائدة السالبة مناسبة لاقتصاداتهما.

وتحدث “بيلي” ضد الفائدة السالبة قائلاً: “ليس شيئًا نخطط له حاليًا أو نفكر فيه”، مضيفاً: “إذا قام بنك إنجلترا بزيادة حافزه الاقتصادي بشكل أكبر، فمن المحتمل أن يكون لديه سندات بالمليارات، وهذا يتيح لهم بشكل فعال توزيع النقود على البنوك والشركات ويقلل من عائدات السندات، وخفض تكاليف الاقتراض دون تخفيض سعر الفائدة الرئيسي”.

ومع ذلك، كان بيلي متأكدًا من أنه لم يستبعد أي شيء في مواجهة أسوأ انهيار اقتصادي للمملكة المتحدة منذ 300 عام.

ومن جانبه، ذكر جيروم باول أن سياسات أخرى، مثل طباعة الأموال لشراء السندات، يمكن أن تدعم الإقراض طوال فترة صدمة كورونا، مشيراً ضمنياً إلى ترامب، قائلاً: “أعرف أن هناك معجبين بهذه السياسة، لكن نعتقد أن لدينا مجموعة أدوات جيدة وهذا هو الذي سنستخدمه”.

ورغم أن الفيدرالي الأمريكي أوضح كثيراً أنه لا يفكر على الإطلاق في الفائدة السالبة، إلا أن ترامب دائم المطالبة للمركزي باعتماد معدلات الفائدة السالبة في الوقت الحالي من أجل تسريع عودة الاقتصاد الأمريكي للنمو والخروج من الركود العميق الذي أحدثه الوباء.

خلاصة القول، هذه الآثار الجانبية والمزايا للفائدة السالبة لم يتم فهمها بالكامل، هناك فوائد محتملة لهذه السياسة بلا شك، لكنها تأتي مع بعض الجوانب السلبية الحادة، والتي لا تزال عواقبها غير مؤكدة، وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدم اليقين في الاقتصاد بسبب كورونا، قد يكون من الأفضل تجنب إضافة المزيد من الشكوك بشأن سياسة الفائدة السالبة، لذا قد تكون البنوك المركزية على حق في مخاوف تجربة الفائدة السالبة في هذه الفترة.

*منصة eToro هي منصة متعددة الأصول تُتيح إمكانية الاستثمار في الأسهم والأصول الرقمية، بالإضافة إلى التداول على أصول عقود الفروقات. يرجى ملاحظة أن عقود الفروقات هي أدوات مُعقدة وتتضمن مخاطر عالية بخسارة سريعة للأموال بسبب الرافعة. ينبغي عليك مراعاة ما إذا كنت تتفهم كيفية عمل عقود الفروقات وما إذا كنت تستطيع تحمل مخاطر عالية بخسارة أموالك.الأصول الرقمية هي أدوات غير مستقرة ويمكن أن تتعرض لتقلبات سعرية هائلة في فترات زمنية قصيرة للغاية، وبالتالي فإنها ليست مُناسبة لجميع المُستثمرين. بخلاف العقود مقابل الفروقات، فإن تداول العملات الرقمية لا يخضع للتنظيم، وبالتالي لا تخضع لإشراف أي إطار تنظيمي بالاتحاد الأوروبي. رأس مالك في خطر. الأداء السابق ليس مؤشرًا على النتائج المستقبلية.

شركة eToro (Europe) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والبورصات القبرصية (CySEC) بمقتضى الترخيص رقم 109/10.

شركة eToro (UK) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة مراقبة السلوكيات المالية (FCA) بمقتضى الترخيص رقم FRN 583263.

شركة eToro AUS Capital Pty Ltd هي شركة خاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والاستثمارات الأسترالية (ASIC)، مُتخصصة في تقديم الخدمات المالية بموجب ترخيص الخدمات المالية الأسترالية 491139