تشابكت العديد من العوامل شديدة التعقيد مع بعضها في آن واحد، لتطل علينا بأزمة أسعار الغاز الطبيعي، ومع عوامل طبيعية واقتصادية وسياسية، أسفرت عن نقص الإمدادات، قفزت الأسعار إلى مستويات قياسية في أوروبا، في وقت لا يزال فيه الاقتصاد العالمي يداوي جراحه من تداعيات الوباء.
ويتزايد الطلب على الغاز بشكل طبيعي في موسم الشتاء، لكن اندلاع الأزمة حتى قبل بداية الشتاء أمرًا مثيرًا للقلق بشدة، خاصة بالنسبة لأوروبا، التي تعتمد على الاستيراد ولا تملك مخزونات كافية حتى الآن، ما يخلق ضغوط تصاعدية على أسعار الكهرباء أيضًا، ويضر المستهلكين، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تفاقم معدلات التضخم على المدى القريب، ما يعرقل عملية التعافي، ويوجه ضربة أخرى للاقتصاد العالمي الذي بدأ للتو في الوقوف على قدميه بعد صدمة فيروس كورونا.
ارتفاعات قياسية
شهدت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعًا حادًا في الأسابيع الأخيرة؛ إذ بدأت شرارة الصعود من أوروبا، وانتقلت إلى العالم حتى الولايات المتحدة أكبر منتج ومستهلك للغاز عالميًا، إذ ارتفع سعر العقود الآجلة للغاز في بورصة نيويورك إلى أعلى مستوى منذ عام 2014، ليتجاوز 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مسجلًا مكاسب تفوق 100% هذا العام.
*سعر الغاز الطبيعي في بورصة نيويورك منذ بداية العام الجاري
في المقابل، لا صوت يعلو فوق تضرر أوروبا بشكل خاص من هذه الأزمة قبل موسم الشتاء، إذ ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في مركز TTF الهولندي –سوق الغاز الرئيس في أوروبا- إلى مستويات قياسية؛ إذ تجاوزت مستوى 24 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مع نهاية الأسبوع الماضي، ارتفاعًا من 6 دولارات فقط في بداية العام الجاري، ما يعني مكاسب تقارب 300%.
وارتفعت العقود الآجلة للغاز في بريطانيا إلى أكثر من 190بنس لكل مليون وحدة حرارية في تعاملات بورصة آي.سي.إي للسلع، وهو مستوى قياسي أيضًا، مع حقيقة بريطانيا الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، كونها تستمد 40% من طاقتها الكهربائية من الغاز الطبيعي، ومع تزايد الطلب، ارتفع سعر الغاز الطبيعي بالجملة -الذي يدفعه الموردون- بنسبة 250% هذا العام، ما أدى إلى توقف العديد من الشركات البريطانية الصغرى عن العمل وإعلان إفلاسها مع ارتفاع التكاليف.
أسباب الارتفاع
في الحقيقة، الأزمة ليست وليدة الأسابيع الأخيرة، لأن أسعار الغاز الطبيعي اتخذت مسارًا صعوديًا مع طول موسم الشتاء الأخير، ما أدّى إلى تزايد السحب من مخزونات الغاز خاصة في أوروبا، لتقف المخزونات حاليًا أدنى بنحو 25% من متوسط الـ 10 سنوات الأخيرة، بل إن الولايات المتحدة تعاني أيضًا من نقص المخزونات بنحو 589 مليار قدم مكعبة عن نفس الفترة من العام الماضي.
ولكن لاعتماد أوروبا على الواردات، فإن القارة لم تستطع استيراد المزيد من الإمدادات لتعويض النقص مع حقيقة أن مواقع التخزين في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تمتلئ حاليًا بنحو 72%، مقابل نسبة 92% في الوقت نفسه من العام الماضي، وجاء عجز إمدادات الغاز، نتيجة لعدة عوامل تتمثل في تراجع الواردات عبر الأنابيب من روسيا والنرويج، اللتين تزودان ما يقرب من نصف الغاز الأوروبي، فضلًا عن تزايد الطلب من آسيا ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار في النهاية.
وبالنسبة للنرويج كان تدفق الإمدادات منها محدودًا بسبب العمل على تحسين البنية التحتية للبلاد، أما روسيا -أكبر مصدر للغاز لأوروبا- فقد أدّى الشتاء القارس إلى الحاجة إلى ملئ خزاناتهم الخاصة قبل التفكير في التصدير، هذا بالإضافة إلى سببًا آخرًا قد لا يكون خفيًا على الكثيرين، هو أن روسيا ترفض زيادة الصادرات إلى أوروبا، في ورقة ضغط بغرض الحصول على موافقة سريعة على تشغيل خط أنابيب الغاز إلى ألمانيا نورد ستريم 2.
ورغم ذلك، ترى مؤسسة ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس أن إمدادات المصدّرين ستظل أقل نسبيًا خلال بقية هذا العام، بغض النظر عن بدء تشغيل محتمل لخط أنابيب نورد ستريم 2، والمتوقع في الربع الأخير من العام الجاري.
وأدّى عدم وجود بدائل إلى تفاقم الضغط على المعروض، خاصة مع تراجع في وقت تزايد فيه الطلب على الغاز عن المعتاد، فمع تعافي اقتصاديات آسيا من الوباء، تزايد الطلب على شحنات الغاز الطبيعي المسال، وفي غضون ذلك، تباطأ توليد الكهرباء من توربينات الرياح، التي تولد حوالي 10% من الكهرباء في أوروبا، خلال فصل الصيف غير المعتاد، ما رفع بدوره الطلب على الغاز.
كما يرجع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى صعود قياسي لأسعار ثاني أكسيد الكربون في أوروبا عند مستوى 62 يورو للطنّ وضمن نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، فإن صعود أسعار الكربون يعني تزايد الطلب على الغاز الطبيعي كونه أقل أنواع الوقود الأحفوري إطلاقًا للانبعاثات، ومن ثم ارتفاع أسعاره.
التأثير على أسعار النفط
من المحتمل أن يؤدي نقص المعروض من الغاز الطبيعي وارتفاع أسعاره لمستويات قياسية إلى تشجيع محطات الكهرباء على التحوّل إلى النفط، خاصة مع قدوم فصل الشتاء، ما يرفع الطلب على الخام، ومن نرى ارتفاعات قوية في الأسعار.
لن نذهب بعيدًا، فالتوقعات التي أصدرها بنك أوف أميركا هذا الشهر بشأن ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات 100 دولار للبرميل، قائمة بشكل أساسي على أن يكون الشتاء القادم أكثر برودة المعتاد ما يرفع الطلب على الخام ومشتقاته، خاصة في ظل الارتفاع القوي لأسعار الغاز الطبيعي.
كما يعتقد بنك جولدمان ساكس أنه مع ارتفاع أسعار الغاز العالمية، فإن الشتاء الأكثر برودة في أوروبا وآسيا يمكن أن يؤدي بدوره إلى زيادة قدرها 900 ألف برميل يوميًا في الطلب على النفط، ما قد يرفع سعر البرميل إلى 80 دولارًا في الربع الأخير من العام الجاري.
وفي الحقيقة، يبدو أن أسعار النفط بدأت تتأثر إيجابيًا بالفعل، إذ قفز خام برنت القياسي أعلى من 78 دولارًا للبرميل مع نهاية الأسبوع الماضي، ليصل إلى أعلى مستوى منذ أكتوبر عام 2018، كما صعد خام غرب تكساس الأمريكي إلى مستوى 74 دولارًا، ليرفع كلا الخامين مكاسبهما منذ بداية العام إلى أكثر من 50%.
*سعر خام نايمكس في 2021
في النهاية، هل تستمر أسعار الغاز الطبيعي في موجة صعود لا تتوقف، أم تنجح أوروبا في تجاوز الأزمة، ويكون الشتاء القادم رحيمًا بالعالم؟
*منصة eToro هي منصة متعددة الأصول تُتيح إمكانية الاستثمار في الأسهم والأصول الرقمية، بالإضافة إلى التداول على أصول عقود الفروقات. يرجى ملاحظة أن عقود الفروقات هي أدوات مُعقدة وتتضمن مخاطر عالية بخسارة سريعة للأموال بسبب الرافعة. ينبغي عليك مراعاة ما إذا كنت تتفهم كيفية عمل عقود الفروقات وما إذا كنت تستطيع تحمل مخاطر عالية بخسارة أموالك.
الأصول الرقمية هي أدوات غير مستقرة ويمكن أن تتعرض لتقلبات سعرية هائلة في فترات زمنية قصيرة للغاية، وبالتالي فإنها ليست مُناسبة لجميع المُستثمرين. بخلاف العقود مقابل الفروقات، فإن تداول العملات الرقمية لا يخضع للتنظيم، وبالتالي لا تخضع لإشراف أي إطار تنظيمي بالاتحاد الأوروبي. رأس مالك في خطر. الأداء السابق ليس مؤشرًا على النتائج المستقبلية.
شركة eToro (Europe) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والبورصات القبرصية (CySEC) بمقتضى الترخيص رقم 109/10.
شركة eToro (UK) Ltd، هي شركة متخصصة في تقديم الخدمات المالية مرخصة وخاضعة لتنظيم هيئة مراقبة السلوكيات المالية (FCA) بمقتضى الترخيص رقم FRN 583263.
شركة eToro AUS Capital Pty Ltd هي شركة خاضعة لتنظيم هيئة الأوراق المالية والاستثمارات الأسترالية (ASIC)، مُتخصصة في تقديم الخدمات المالية بموجب ترخيص الخدمات المالية الأسترالية 491139.