طفرة الفضة.. لماذا يتهافت المستثمرون على شراء المعدن؟

في الأسابيع الأخيرة، ازداد بريق لمعان الذهب لكن في الحقيقة ليس المعدن الأصفر فقط الذي يلمع، فمنذ الهبوط الحاد خلال ذروة تفشي كورونا في مارس الماضي، اتخذت الفضة مساراً صعودياً بوتيرة حادة جعلها تصل إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2013.

لطالما كان الذهب الملاذ الآمن المفضل لدى المستثمرين، وهو مكان للتحوط عندما تكون أسواق الأسهم متقلبة وتقدم السندات الحكومية عوائد ثابتة أو سلبية، وتتراجع قيمة الدولار الأمريكي مما يجعل حيازة المعدن أكثر جاذبية بالنسبة لحاملي العملات الأخرى، وكان هذا هو الحال بالتأكيد خلال أزمة فيروس كورونا حيث وصل سعر الذهب مؤخراً إلى مستويات قياسية.

لكن الفضة شهدت مكاسب بنسبة أكبر في ظل الوباء، فمنذ أن لامس سعر المعدن أضعف مستوياته في أكثر من عقد في مارس الماضي عند 11.77 دولار للأوقية، ارتفعت الفضة بأكثر من 145% إلى أعلى مستوى في سبع سنوات عند 29 دولارًا للأوقية في الأسبوع المنصرم قبل أن تتراجع بشكل طفيف إلى 27 دولارا للأوقية.

 

تداول الفضة الان

في الوقت نفسه يتم تداول المعدن الأصفر عند مستويات 2000 دولار للأوقية بعد أن تجاوزها مؤخراً لأول مرة في تاريخه عقب ارتفاعها بأكثر من 35% منذ القاع المسجل هذا العام عند 1477 دولار للأوقية في مارس المنصرم.

*أداء الذهب منذ بداية العام الحالي

تداول الذهب الان

بينما يرى المحللون حقيقة أن سعر الفضة لا يزال في منتصف الطريق فقط إلى أعلى مستوى له وهو 48 دولارًا في أبريل 2011، بينما تجاوز الذهب بالفعل الأرقام القياسية السابقة.

في الواقع، لا أحد ينكر أن مكاسب الذهب أحد الأسباب الرئيسية في الارتفاع الصاروخي لمعدن الفضة الذي يميل إلى تتبع الذهب بشكل كبير، وكما هو الحال في المعدن الأصفر فإنها تستفيد من تدفق المستثمرين إلى الملاذات الآمنة وسط تراجع معنويات المستثمرين حيث يبدو التعافي الاقتصادي العالمي بطيئًا مع استمرار عدم اليقين بشأن حالات الإصابة بالوباء التي تواصل الارتفاع إضافة إلى التوترات الجيوسياسية التي طفت على السطح مؤخرا.

وتأتي مكاسب الفضة أيضا على خلفية تكهنات بأنه سيكون هناك المزيد من تدابير التحفيز لانتشال الاقتصاد العالمي من الركود الذي سببه وباء كورونا، حيث ساعدت المبالغ الهائلة التي ضختها الحكومات والبنوك المركزية حول العالم على دعم الأسعار كونها تؤثر على قيمة العملة وتثير التضخم.

بالإضافة إلى ذلك، أدت معدلات الاقتراض المنخفضة والسالبة في بعض الدول إلى تقليص تكلفة الفرصة البديلة لامتلاك أصل لا يحمل فائدة، ولا توجد إشارة على حدوث تغيير في ذلك طالما استمر الاقتصاد العالمي عالقاً في أزمة كورونا.

ويبرهن “أولي هانسن” رئيس إستراتيجية السلع في “ساكسو بنك” على هذه العوامل مشيراً إلى أن المعادن الثمينة تعززت بشكل أساسي من خلال “ثلاثية من المحركات القوية”، أحدها هو ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، كجزء من محاولات وقف تأثير أزمة فيروس كورونا مما خلق مزيدًا من عدم اليقين بشأن صحة النظام المالي، مع مخاوف بشأن زيادة جبال الديون التي يجب معالجتها، وبالتالي تعزيز الطلب على المعادن الثمينة كاستثمار آمن.

ويضيف “هانسن”: “ثانيا، توجه عوائد السندات الحقيقية التي تأخذ في الاعتبار أثر التضخم إلى النطاق السالب، أم النقطة الثالثة فهى أن ضعف الدولار خلال الأسابيع الأخيرة أدى إلى تعزيز المعادن الثمينة، نظرًا لأنه يتم تداول السلع عادةً بالدولار، وغالبًا ما يُترجم ضعف العملة الأمريكية إلى سعر سلعة أقوى”.

ويعتبر طلب المستثمرين مسؤول عن الكثير من هذا الارتفاع المتسارع للمعادن وخاصة الفضة كونها أفضل موصل للكهرباء، كما أن لها استخدامات صناعية أيضًا على عكس الذهب الذي يعد باهظًا بشكل عام في هذه الاستخدامات، ويقدر معهد الفضة أن مبيعات عملات السبائك بالتجزئة قفزت بنسبة 60% في النصف الأول مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق.

فيما يرى تحليل للكاتب “كلارا فيريرا ماركيز” عبر موقع “بلومبرج أوبينيون” أن الاهتمام بالمضاربات في الصين، التي ساعدت في دفع الفضة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2011، يظهر أيضًا علامات على الظهور مجدداً.

وعلى الرغم من معاناة قطاعات الإلكترونيات الاستهلاكية والسيارات من الضغط الذي أحدثه الوباء على الأسر والتأثير السلبي لذلك على الفضة، فإن المعدن من المرجح أن يستفيد من استخدامه في الألواح الشمسية نظراً لجهود التعافي الصديقة للبيئة حيث تمثل الخلايا الكهروضوئية حوالي خمس الطلب الصناعي من الفضة، كما أنه على المدى الطويل، سيساعد ظهور تكنولوجيا الاتصالات من الجيل التالي في دعم الطلب على الفضة أيضاً.

ويقول “موبين طاهر” المدير المساعد للأبحاث في مزود المنتجات المتداولة في البورصة “ويسدوم تري” يبدو أن الفضة تتجه نحو الميدالية الذهبية، مشيراً على تزايد الطلب على المعدن.

في الواقع، أوضح طاهر أن أكثر من نصف الطلب على الفضة يأتي من التطبيقات الصناعية في الإلكترونيات والمعدات الطبية وتوليد الطاقة الشمسية، على سبيل المثال، مشيراً: “لذا، بالإضافة إلى ارتباطها بالذهب، صُنعت الفضة من أجل مزيج فريد للمستثمرين في الوقت الحالي، الذين أرادوا المشاركة في الانتعاش الدوري للاقتصاد والشركات من ناحية ويريدون الحصول من جهة أخرى على نوع من التحوطات ضد جميع المخاطر”.

أما فيما يتعلق بالإنتاج مقابل هذا الطلب الكبير، فإن إمدادات الفضة تشهد عجزاً شديداً بسبب فيروس كورونا وتدابير الاحتواء المتعلقة به، خاصة في بيرو والمكسيك التي تشكل ما يقرب من 40% من الإمدادات العالمية.

كما اضطرت بعض المناجم إلى الإغلاق مرة أخرى مع زيادة حالات كورونا مما جعل معهد الفضة يتوقع الآن عجزًا في السوق لأول مرة منذ خمس سنوات حيث قدر مؤخراً الانخفاض المتوقع في إنتاج المناجم بنسبة 7% لعام 2020، حتى بعد عمليات إعادة التشغيل الأخيرة من ضمنهم انخفاضاً بنسبة 13% في إنتاج مناجم أمريكا اللاتينية.

ويقول ” كولين هاميلتون” المحلل في “بي.إم.أو” أنه من المرجح أن يستمر الوباء في تعطيل الإمدادات، ولا يزال لدينا عدد كبير من الحالات ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إغلاق محلي مرة أخرى”.

هذا بالإضافة إلى قضايا أخرى تتجاوز أزمة الوباء، فقد كان الإنتاج يتجه إلى الانخفاض في السنوات الأخيرة مع تقادم مناجم الفضة الثانوية الكبيرة، بينما تحتفظ المناجم الجديدة بإنتاج أقل لواحد من أندر المعادن في العالم، وعادة ما تكون الفضة ناتجًا ثانويًا، مما يعني أن معظم الإنتاج يأتي من المناجم التي تقوم في الأساس باستخراج الزنك أو الرصاص أو النحاس أو الذهب.

خلاصة القول، أنه مثلما تتكاتف العديد من العوامل لدعم المعدن الاصفر فإن هذا يحدث بالمثل مع الفضة وإن كانت تتفوق على الذهب في استخداماتها الصناعية الأخرى لذا من المتوقع على نطاق واسع أن تستمر في مسارها الصاعد.