إنَّ إدراك أهمية الاقتصاد الكلي وتأثيره على أسعار الأصول يمكن أن يُحدث فرقًا جوهريًا في أداء محفظتك. تعرّف على كيفية قيام الاقتصاد الكلي بقيادة الأسواق، وتأثيره على الأرباح والتقييمات، وما هو تأثيره على فئات الأصول المختلفة.
تتأثر جميع الأصول الاستثمارية بعوامل الاقتصاد الكلي، وذلك لأن متغيرات الاقتصاد هي العوامل والأحداث الكبرى التي تؤثر على مسار الاقتصاد ككل. فمثلا تؤثر عوامل الاقتصاد الكلي على ثقة المستثمرين تجاه مستقبل الوضع الاستثماري في الدول عمومًا، كما تؤثر على طلب المستثمرين على الأصول المختلفة من خلال تغير أسعار الفائدة على سبيل المثال.
لماذا تتأثر الأسواق بعوامل الاقتصاد الكلي؟
تؤثر عوامل الاقتصاد الكلي على أسعار الأصول الاستثمارية لأن عوامل الاقتصاد الكلي هي التي تتحكم في مناخ الاستثمار العام، والأصول الاستثمارية سواءً كانت أسهمًا أو سندات أو غيرها، لأنها بمثابة انعكاس للظروف الحقيقية التي تمر بها الشركات والمؤسسات التي تقوم بإصدار تلك الأصول المالية.
يُعتبر قانون العرض والطلب الآلية التي تؤثر عوامل الاقتصاد الكلي من خلالها على الأصول الاستثمارية، والسبب في ذلك هو أن كافة التغيرات الاقتصادية الكلية تؤدي في النهاية إلى التأثير على طلب الأفراد والمستثمرين وكذلك على مستويات العرض.
فإذا قامت الدولة بخفض ضريبة الدخل على شركات قطاع معين من أجل تحفيز مستويات الإنتاج، كقطاع الخدمات الطبية مثلا، فإن قرارًا كهذا يُعتبر أحد عوامل الاقتصاد الكلي، وقد ينعكس أثر هذه القرار بشكل إيجابي على الأصول المالية، إذ أنَّ انخفاض ضريبة الدخل يعني أن الجزء المستقطع من صافي دخل الشركات في هذا القطاع سيقل وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة ربحية الشركة في المستقبل مما يتسبب في ارتفاع سعر السهم وزيادة القيمة العادلة للسهم.
وإضافةً إلى ذلك فقد تتمثل عوامل الاقتصاد الكلي في ارتفاع أو انخفاض درجة المخاطرة وهو ما يعرف باسم شهية المخاطرة، فمثلًا عندما تحدث حروب مثل الحرب الروسية الأوكرانية، فإن هذا الحدث يتسبب في قلق المستثمرين لأنه يؤثر بشكل سلبي على مناخ الاستثمار والوضع التجاري، إذا أن الوضع الاستثماري العالمي قد يُبدي رد فعل عنيف بسبب حدث واحد في إحدى بقاع العالم.
نصيحة: يجب على المستثمرين محاولة مواكبة الأحداث رفيعة المستوى على مستوى الاقتصاد والتي تؤثر على الاقتصاد الكلي.
وقد تكون عوامل الاقتصاد الكلي المتعلقة بالمخاطرة مؤثرة على الوضع الاقتصادي العالمي ككل، كما هو الحال بالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية، وقد تكون عوامل داخلية تؤثر على الاقتصاد المحلي فقط كأن تحدث حرب أهلية مثلا أو اضطرابات سياسية داخل دولة معينة.
ويمكن التركيز على مجموعة من العوامل الاقتصادية لها الأثر الأكبر على الوضع الاستثماري ومن ثم أسعار الأصول المالية، وتتلخص تلك العوامل في أسعار الفائدة، والتضخم، والناتجِ المحلي الإجمالي، ومستويات التوظيف.بالنسبة لأسعار الفائدة، فإنَّ ارتفاعها يكون له أثر سلبي عموما على أسعار الأسهم لأن ارتفاع الفائدة يسبب ارتفاع تكاليف اقتراض الشركات ومن ثم يؤدي إلى انخفاض الأرباح. كما يتسبب ارتفاع مستويات التضخم في ارتفاع أسعار السلع والخدمات وانخفاض القوة الشرائية للأفراد وبالتالي يقل الطلب على منتجات الشركات فتقل إيراداتها وتقل أرباحها مما ينعكس بشكل سلبي على أسعار الأصول المالية في النهاية.
“يُعتبر قانون العرض والطلب الآلية التي تؤثر عوامل الاقتصاد الكلي من خلالها على الأصول الاستثمارية، والسبب في ذلك هو أن كافة التغيرات الاقتصادية الكلية تؤدي في النهاية إلى التأثير على طلب الأفراد والمستثمرين وكذلك على مستويات العرض.”
ارتفاع معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي يعني أن الاقتصاد في توسع وأن هناك فرصًا استثمارية جديدة أمام الشركات مما يدعم شهية المخاطرة ويكون له أثر إيجابي على الأصول المالية، وكذلك الحال بالنسبة لارتفاع معدلات التوظيف، لأن ارتفاع معدلات التوظيف يعني تحسنًا في دخول الأفراد ومن ثم يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستويات الطلب على السلع والخدمات مما يرفع من إيرادات وأرباح الشركات فترتفع أسعار الأصول المالية والأسهم وترتفع القيمة العادلة لها.
إذا أردنا تلخيص أثر عوامل الاقتصاد الكلي المذكورة أعلاه فإنه يمكننا القول بأن ارتفاع أي من العاملين الأوليين – أسعار الفائدة أو مستويات التضخم – سيؤدي إلى تجنب المخاطرة أو انخفاض شهية المخاطرة والعكس صحيح، أما بالنسبة للعاملين التاليين وهما نمو الناتج المحلي الإجمالي ومستويات التوظيف فإن ارتفاعهما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الإنفاق والطلب ومن ثم يؤدي إلى ارتفاع شهية المخاطرة.
كيف تؤثر عوامل الاقتصاد الكلي على الأرباح؟
تُعتبر متغيرات الاقتصاد الكلي من أهم العوامل التي تؤثر على أرباح الشركات، فمثلا إذا نظرنا إلى أرباح الشركات نجد أن تلك الأرباح تعتمد بالأساس على عاملين وهما الإيرادات والمصروفات والتكاليف، وبالتالي فإن عوامل الاقتصاد الكلي التي تؤثر على الإيرادات والمصروفات تؤثر بدورها على الأرباح.
لنأخذ مثالا على ذلك، نتخيل أن شركة مثلا تقوم ببيع العطور الفاخرة، إذا حدث ارتفاع في معدلات التضخم وأسعار الفائدة، فإن عملاء هذه الشركة سيضطرون إلى تغيير نمط الاستهلاك أي أنهم يضطرون لخفض إنفاقِهم على سلع الرفاهية مثل تلك الأنواع من العطور، وهو ما سيتسبب في انخفاض مبيعات الشركة، ولأن أسعار الفائدة هي الأخرى مرتفعة فإن تكاليف الاقتراض أيضًا سترتفع مما يؤدي في النهاية إلى انخفاض أرباح الشركة.
نصيحة: يجب على المستثمرين التفكير في إعادة هيكلة محفظتِهم الاستثمارية، مع الأخذ في الاعتبار حالة الاقتصاد الكلي.
والعكس صحيح أيضًا، فإذا كان التضخم وأسعار الفائدة منخفضَين فإن الأفراد سيقومون بزيادة استهلاكهم وستكون تكلفة اقتراض الشركات منخفضة، مما ينعكس بشكل إيجابي على أرباح الشركات.
ولنأخذ مثالا آخر، فإذا حدث مثلا أن ارتفع سعر الصرف للعملة أمام العملات الأجنبية، فإن ذلك سيؤثر على أسعار المنتجات المستوردة، إذ ستصبح رخيصة مقارنةً بالمنتج المحلي، مما سيؤدي إلى قيام الأفراد بزيادة الطلب على المنتجات المستوردة وبالتالي ينخفض الطلب على المنتجات المحلية وتقل أرباح الشركات العاملة في السوق المحلي.
وبالتالي، فإذا أردنا أن نلخص هذه الفكرة يمكننا القول بأن الاقتصاد يعتبر حلقة واحدة، أي أن إنفاق أحد الأفراد يعتبر دخلًا لفردٍ آخر، ومن ثم فإن أي عامل اقتصادي يؤثر على أحد جوانب السوق، سواء من جانب الطلب أو العرض، فسيتنقلُ هذا الأثر بشكل تلقائي إلى الطرف الآخر.
هل تؤثر عوامل الاقتصاد الكلي على تقييم الأصول؟
يتأثر تقييم الأصول المالية بالتغيرات في عوامل الاقتصاد الكلي، والسبب في هذا هو أن نماذج تقييم الأسهم والأصول تعتمد بشكل رئيسي على توقعات التدفقات النقدية التي ستجنِيها تلك الأصول في المستقبل، فإذا حدثت تغيرات إيجابية في أحد عوامل الاقتصاد الكلي فإن ذلك سينعكس بشكل إيجابي في ارتفاع التدفقات النقدية المستقبلية وبالتالي يرتفع تقييم الأصول المالية المستفيدة من هذه التغيرات.
نصيحة: في عام 2022، خفّض المحللون توقعاتهم لأرباح العام المقبل، مما تسبب في انخفاض أسعار الأسهم.
وكمثال على ذلك، عندما نقوم بإجراء تقييم باستخدام نموذج التدفقات النقدية المخصومة لأحد أسهم الشركات التي نتوقع لها نموًا كبيرًا في المستقبل، ولتكن إحدى شركات التكنولوجيا مثلا، فإن عوامل الاقتصاد الكلي المتمثلة في الاهتمام بالتحول الرقمي في مختلف جوانب الاقتصاد سيكون لها أثر إيجابي مستقبلي على الطلب على خدمات شركات التكنولوجيا وبالتالي سترتفع التدفقات النقدية لدى تلك الشركات في المستقبل وهو ما يؤدي لارتفاع تقييم أسهمها حاليًا.
الأداء السابق ليس مؤشرًا على النتائج المستقبلية
أثر عوامل الاقتصاد الكلي على الأصول الأخرى
بسبب الطبيعة المترابطة للاقتصاد العالمي حاليًا، فإن كافة الأصول المالية قد تتأثر بأي تغير يطرأ على الاقتصاد الكلي وقد تمتد الآثار إلى مساحات غير متوقعة، فعلى سبيل المثال أثناء وباء كورونا، امتد أثر ذلك الوباء إلى كافة الأصول المالية حيث تسببت ظروف الإغلاق في خفض مستويات الطلب وبالتالي خفض الطلب على السلع الاستراتيجية كالنفط، مما تسبب في انهيار لأسعار النفط، وفي مقابل ذلك ارتفع الطلب على الملاذات الآمنة وعلى رأسها الذهب.
نصيحة: العلاقات بين العوامل الاقتصادية المختلفة معقدة للغاية، وغالبًا ما تؤدي إلى تفاعلات متسلسلة.
على الجانب الآخر، فإن اتجاه الاقتصاد إلى النمو القوي والتوسع، يؤدي إلى ارتفاع الطلب على السلع والخدمات ومن ثم يزداد طلب الشركات على السلع الأولية أو ما يسمى بمدخلات الإنتاج مثل النفط والمعادن، وكذلك يزداد الطلب على السلع الزراعية وغيرها.
يكون للنمو الاقتصادي أثر إيجابي على ربحية الشركات ومن ثم على أسعار أسهمها، ومقابل ذلك، قد يكون أثره سلبيًا على أصول مالية أخرى، فمثلا يكون أثره سلبيًا على أسعار السندات لأن العائد المتوقع عليها يكون أقل من العائد المتوقع على الأسهم نظرا لانخفاض المخاطر.
تمتد آثار النمو الاقتصادي أيضًا إلى سوق الصرف الأجنبي (يعرف أيضًا بسوق الفوركس) والسبب في ذلك هو أن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في الدولة سيؤدي إلى ارتفاع مستوى الإنتاج ويبدأ المنتجون في تصدير السلع مما يزيد من إيرادات الدولة من العملة الأجنبية، كما أن مناخ النمو الاقتصادي القوي سيجذبُ المستثمر الأجنبي لأن يبدأ في الاستثمار داخل تلك الدولة وكلا العاملين يؤديان إلى ارتفاع الطلب على عملة تلك الدول ومن ثم يرتفع سعر صرفها أمام العملات الأجنبية.
الخاتمة
كما تبين من خلال ما سبق، فإن عوامل الاقتصاد الكلي لا يمكن أبدًا إهمالها في عالم الاستثمار، وبالتالي فإننا نجد أن كافة المستثمرين المحترفين يحرصون على متابعة المفكرة الاقتصادية بشكل يومي وكذلك تصريحات المسؤولين التي تؤثر على الوضع الاقتصادي سواءً المحلي أو الدولي، ولذلك فإنه من المهم جدًا أن يحرص المستثمر على أن يظل على اطلاع دائم ومستمر على أهم مستجدات الاقتصاد الكلي وذلك لضمان نجاح خطة الاستثمار.
تفضل بزيارة أكاديمية eToro لاكتشاف المزيد حول الاقتصاد الكلي.
اختبار
الأسئلة الشائعة
- كيف يمكن توقع أهم البيانات الاقتصادية؟
-
يمكن معرفة أهم البيانات الاقتصادية من خلال ما يعرف بالمفكرة الاقتصادية، وهي عبارة عن جدول يكون مقسمًا إلى أيام ويضم أهم البيانات الاقتصادية المنتظرة خلال كل يوم. وعندما نستخدم مفكرة اقتصادية احترافية فإننا نجد أن البيانات الاقتصادية تكون مقسمة بحسب الأهمية الاقتصادية لها، حيث يقوم خبراء بتقسيم البيانات بحسب أهميتها.
- هل أسعار الفائدة المرتفعة دائما سلبية للأسهم؟
-
أسعار الفائدة المرتفعة ليست دائما سيئة بالنسبة للأسهم، فعلى سبيل المثال تستفيد أسعار أسهم البنوك ومؤسسات الإقراض والتمويل من ارتفاع أسعار الفائدة لأن ذلك سَيعني أنها ستجني عائدات أعلى على القروض أو التسهيلات المقدمة للعملاء.
كذلك فإنه بالنسبة لأسهم الشركات الأخرى في غير قطاع البنوك والتمويل، إذا رأى المستثمرون أن قرار رفع أسعار الفائدة جيد وملائم بالنسبة للوضع الاقتصادي الراهن فإن ذلك قد لا ينعكس بشكل سلبي على أسعار الأسهم لأنه في تلك الحالة ستظل النظرة المستقبلية للشركات جيدة، بل إنه أحيانا قد يكون التأخر عن رفع الفائدة سببا في انخفاض الأسهم وذلك إذا كان التضخم مرتفعًا بقوة.
- هل يمكن التداول على الأخبارِ الاقتصادية؟
-
هناك ما يعرف بتداول الأخبار الاقتصادية وهي استراتيجية تعتمد على الأخبار والبيانات الاقتصادية، فمثلا يعتمد بعض المستثمرين على تداول قرارات الفائدة أو مؤشر التضخم ومؤشرات التوظيف وغير ذلك. ويعتمد مدى تأثير المؤشر في حركة أسعار الأصول المالية على مدى ملائمة القرار أو المؤشر للوضع الحالي، فمثلا إذا وافقت النتيجة الفعلية التوقعات المسبقة فقد يكون أثرها أقل، أما إذا اختلفت عن التوقعات فيكون أثرها أقوى سواء بالإيجاب أو السلب.
هذا البيان هو لأغراض تقديم المعلومات والتعليم فقط ولا ينبغي أن يعتبر نصيحة استثمارية أو توصية شخصية أو عرض أو دعوة لشراء أو بيع أي أداة مالية.
تم إعداد هذا المحتوى دون الأخذ بعين الاعتبار أي أهداف استثمارية أو وضع مالي معين للمتلقِّ، ولم يتم إعدادها وفقا للمتطلبات القانونية والتنظيمية لتشجيع البحث المستقل. أي إشارات إلى الأداء السابق أو المستقبلي لأداة مالية أو مؤشر أو منتج استثماري جاهز ليست ولا ينبغي اعتبارها مؤشرًا موثوقا للنتائج المستقبلية.
لا تقدم eToro أي تعهد ولا تتحمل أي مسؤولية فيما يتعلق بدقة أو اكتمال محتوى هذا المنشور.
العقود مقابل الفروقات هي أدوات معقدة وتنطوي على مخاطرة كبيرة، يمكن أن تعرضك لخسارة الأموال بسرعة بسبب الرافعة المالية. 76% من حسابات المستثمرين الأفراد تخسر المال عند تداول عقود الفروقات مع هذا الوسيط. يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ما إذا كنت تفهم طريقة عمل العقود مقابل الفروقات وما إذا كنت تستطيع تحمُّل المجازفة بخسارة أموالك أم لا.